الضربخانة العثمانية (دراسة تحليلية)

شهدت الدولة العثمانية طوال تاريخها کثير من التقلبات الاقتصادية وعلى إثرها تعرضت الدولة إلي کثير من الانعطافات الحاسمة في مسارها التاريخ فکانت النقود أو صک العملة أو دار صک وضرب العملة العثمانية في أشد الحاجة لتوفير الأموال والنقود السليمة ذات الوزن المنضبط لحماية الدولة من بلايا تقع فيها خاصة بسبب تسريب المعادن النفيسة خارج الدولة مما أضر بالاقتصاد العثماني .
وما زالت هذه المواضيع الاقتصادية والمتعلقة " بالنقد "وصناعة النقود" وصکها على سبيل المثال بحاجة ماسة إلي دراسة عميقة علما بأن التأريخ الاقتصادي للدولة العثمانية في أية فترة من عصوره الحديثة يستوجب الإلمام بکل حيثياته . دون إهمال أي جزء منها . ومن هنا جاءت هذه الدراسة لإماطة اللثام على فترات عصيبة مرت بها الدولة العثمانية في حقبة زمنية من العصر الحديث، وإن کان دورنا هذا هو محاولة فهم بعض الأزمات الاقتصادية وأثرها على صک وضرب العملة العثمانية . وربما يکون ذلک موضوعا جديدا في مجال البحث الأکاديمي وبخاصة أن الدراسات السابقة قد أفاضت الحديث عن مسار الدولة السياسية والعسکري . وإن کان البعض منها قد لامس الجانب الاقتصادي منه فإنها أسهبت الحديث أيضا عن فترات قوته . وصعود الدولة العثمانية إلي مکانه مميزة بين  دول العالم ؛ لکنها في مقابل ذلک أهملت الحديث  من فترات ضعفها وانتکاساتها . فظلت مثل هذه الجوانب حلقة من حلقات التاريخ المنسي . فلم تنل الحظ الأوفر من الدراسة . عدا في ثنايا بعض البحوث والدراسات ضمنا التي اهتمت هي الأخرى – في غالبها – بتوصيف حال المجتمع إبان الأزمات بمصطلحات متعددة دون تحديد ماهية أي من هذه المصطلحات أوضح هنا بلا أي غموض أن هدف الدراسة اصطلاحي في المقام الأول لفهمها ومن ثم توضيح ما فهمه المحدثون واقروه بناء علي فهمهم لمادة المصادر والمراجع .
واللافت للنظر هو عدم وجود دراسة تختص بدراسة أو  تفسير الالتزامات الممنوحة للضرب خانة العثمانية وطريقة الحصول على التزامها في آية عصر من عصور الدولة العثمانية – على حد اطلاعي – على الرغم  من وجود دراسات متعددة بحثت في النواحي المالية فقط . في حين أن هذه المواضيع تستحق الوقوف عندها ودراستها بعمق إذا ما أرادنا بناء نسق تاريخي متکامل حول الدولة العثمانية . لأنها تمثل مدخلا لفهم الأوضاع المالية عن طريق فهم الصعوبات التي تعترض خلال مراحل صعبة عاشت فيها الدولة العثمانية إبان تعرضها لمثل هذه الأزمات . والتي لها من دون شک أثار سلبية على کافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية . ولها انعکاسات على الأفکار والذهنيات والرؤي .
ومع أن الدولة العثمانية طوال الستة قرون خاضت الکثير من الحروب انتصرت وانهزمت وتعاهدت إلا أن الأزمات الاقتصادية کانت أشد وطأة وقسوة على الدولة ، وقد نتج عن ذلک تدني مستواها الاقتصادي الذي لم يعد يستطع أن يجابه الاقتصاد العالمي ، الذي اجتمع ووضع جل اهتمامه لکسر الاقتصاد العثماني .