فإن اللغة العربية أکثر اللغات بلاغة وفصاحة ، وأجملها لفظاً، وأغزرها بالمعاني الأخّاذة الدقيقة والصور الجميلة الرقيقة ، وهي في الوقت نفسه مليئة بالمعاني القوية المحکمة ، ولهذا اختارها الله – سبحانه وتعالى – لتکون لغة القرآن العظيم ، ولسان النبي –صلى الله عليه وسلم – وفي ذلک أمارة واضحة على ما لها من منزلة وما فيها من سمات لا توجد في سواها من اللغات .
لذلک قام علماء اللغة بالبحث والدراسة ، والاستقصاء لکنوز هذه اللغة ، والغوص في أعماقها ، يدفعهم حسُّهم الديني وإيمانُهم بضرورة الحفاظ على هذا التراث العظيم .
وإن الألفاظ المؤتلفة المختلفة المعاني لتمثل – مع ما صدر لها من شروح وما دار حولها من مناقشات – جزءاً مهماً من تراثنا اللغوي والأدبي ، غير أن موقف اللغويين حيال هذه الألفاظ کان ولا يزال خلافياً غير مستقر ، کما أن الکتب التي تناولت هذه الألفاظ تختلف في منهجيتها ودراستها لهذه الظاهرة ، مما جعل هذه الألفاظ جديرة بالبحث والِّدراسة والاستقصاء .
کما يُعدُّ علم الدلالة من أهم فروع علم اللغة ، حيث يتناول دلالة ألفاظ اللغة من جميع مستوياتها : الصَّوتية ، والصَّرفيِّة ، والنَّحويَّة ، والنَّفْسيَّة والاجتماعيَّة ، وغيرها . فقد نالت الدراسات اللغوية وخاصة علم الدلالة عند العرب اهتماماً کبيراً من الباحثين القدامى والمحدثين ، فهناک علاقة دلالية بين المفردات ضمن الحقْل الدَّلالي المعيَّن ، کما أن لهذا العلم دوراً کبيراً في الکشف عن أسرار اللغة العربية ، ومن هنا انتشرت المعاجم اللغوية وقامت بجمع ألفاظ اللغة وتحليل دلالتها ، ومن أهم تلک الکتب تفسير الدرالمصون في علوم الکتاب المکنون للسمين الحلبي الذي يُعد من أعمدة التفاسير؛ لثراء ألفاظه ولغته.
فلا يخفى على کل متتبع ودارس أنَّ دلالة اللفظ تتطور بفعل ما يحدث من ظواهر تاريخيَّة ، واجتماعيَّة ، ونفسيَّة ، فهناک ألفاظ تفنى وأخرى تستحدث ، وألفاظ تفقد دلالتها الأصلية . ونظراً لأن اللغة کالکائن الحيَّ ينمو ويتغير بمرور الزمن ، ثمَّ إن العلاقات بين المجتمعات وظهور ظروف جديدة تطرأ عليها لها أثرٌ کبيرٌ في تغيير الدلالات أو بالأحرى تطور هذه الدلالات ، فإن ألفاظ التضاد کغيرها من الألفاظ قد تغيرت دلالتها وخلفت آثاراً لغوية لهذا التغير .
کما أن بحوث علم الدلالة تتناول الظاهرة اللغوية وتتتبع حرکتها ، وأشکالها وتتعرف على آثارها ؛ ونظراً لأن الدراسات اللغوية الحديثة تهتم بالجانب الدلالي لمعرفة وتحليل ألفاظ اللغة ، فقد جاء بحثي هذا لرصد ألألفاظ التضاد في تفسير الدُّرالمصون في علوم الکتاب المکنون للسَّمين الحلبي ، ومن خلال المنهج الوصفي الحليلي سأقوم بتحليل ألفاظ التضاد الواردة فيه من أجل رصد ها جميعها.
کل هذه الأسباب مجتمعة دفعتني لاختيار هذا الموضوع ؛ ليکون موضوع أطروحتي .
وقد اقتضت طبيعة البحث أن يتکون من مقدمةٍ، وتمهيد ، و مبحثين ، وخاتمةٍ، وعددٍ من الفهارس الفنية الکاشفة عما في البحث، يمکن تفصيلها فيما يأتى : أما المقدمة : فقد ألقيت فيها الضَّوء على أهميَّة الموضوع ، وأسباب اختياره ، وخطَّة البحث والمنهج المتَّبع فيه.