يُمثّل نصّ الفكاهة ظاهرة ثقافية جمالية، إذ تخضع لغة الفكاهة لجدة الألفاظ، وطرافة المعاني، فالخليفة العباسي هارون الرشيد يبحث عنها، ويطلبها، ويتفاعل معها، ويقدّرها، ويتوقعها ممن يجدهم في طرقات بلاده الممتدة؛ لتنوعهم، واختلاف أمزجتهم، وتعدد ردود أفعالهم، فالفكاهة تمثل قدرة اللغة وطاقاتها المختزنة بعيدة التأثير على العقول والنفوس. فكما كان الخليفة يحرص على سماع المواعظ في كل لحظة يقتنصها، كان يُولي اهتماماً بالتواصل الثقافي والحضاري الذي يشحذ الذهن، ويضج بالحياة وصخبها، وتدلل الفكاهة على طبيعة هارون الرشيد الأخلاقية، وما تمتعت به رعيته في زمنه من حرية القول والفعل. ولا تقتصر الفكاهة على بواعث الضحك ودواعيه، وإنما قد تكون موقفاً مثيراَ للاستغراب، أو مجدداً للهمة، أو محفزاً للتغيير، كما ترصد لتصرفٍ غير متوقع في لحظة قائمة، أو تحمل ردة فعل مراوغة، أو تقتنص قدرة اللغة في تحقيق الفعل التواصلي مع الخليفة، أو تشي بحجة داحضة يهتز الخليفة لسماعها. وتصدر الفكاهة من رجل قريب وغريب وامرأة، وقد تصدر من ابن الخليفة وقاضٍ وفقيه وشاعر ومدعٍ للنبوة ومغفل، ومن محب للدولة وكاره لها. The text of humor represents a cultural and aesthetic phenomenon, as the language of humor is subject to the novelty of words and the wit of meanings. Because of their diversity, their different moods, and the multiplicity of their reactions, humor represents the ability of language and its stored energies to influence minds and souls. Just as the caliph was keen to hear sermons every moment he seized, he paid attention to cultural and civilizational communication that sharpens the mind, and bustles with life and its hustle and bustle.